الغول ليس أخطر الكائنات الاسطوريّة ولكنه أكثرها مهابة بسبب ترسّخه في ذاكرة الأدب الشّعبي، وإن كان هناك ما هو واعتى منه و أقسى، و لداء الصّرع مقامٌ شبيهٌ به لما لهذا المرض من مشهديَّة سريريَّةٍ وتوقيت فجائيٍّ للعوارض يجعلان منه مرضًا يهابه الجميع وإن لم يكن من الامراض الخطيرة.
ولعله من قلائل الأمراض المخيفة التي قد تستفيد من علاجٍ قد يصل بها الى الشِّفاء.
يُعتَبر داء الصَّرع تشخيصًا مؤكَّدًا عند إصابه المريض باختلاجات كهربائيَّةٍ متكررِّةٍ في زمنٍ قصيرٍ من الوقت، ولذلك لا نسمِّي كل اختلاجٍ كهربائيٍّ داء صرعٍ، وقد نصنِّف بعض الإختلاجات الكهربائيَّة في إطار الأمراض الحميدة كلاسيكيًّا.
المعروف عمومًا عن الإختلاج الكهربائيّ او "القبضة" او "الكريزة الكهربائيَّة" كما تُسمَّى شعبيًّا، أنَّها اللَّحظة التي يفقد فيها الإنسان سيطرته على اعضاء جسده، فتنطلق كلٌّ منها في حركاتٍ لا إراديَّةٍ نمطيّةٍ متكرِّرةٍ تنتفض فيها الأطراف الأربعة وتتشنَّج فيه عضلات الجسم إن في الجزء الايمن او الأيسر من الجسم او كليهما ويرافق ذلك غياب كامل عن الوعي مع صرير الأسنان واحيانًا مع رغوٍ وزبدٍ مع تشنُّج وانقلابٍ في محوري مقلتي العين، في وضعٍ قد يستمرُّ قرابة الخمس دقائق وينتهي بارتخاء عضلات الجسد بما فيها عضلات المَخرَجين. فتكون تلك دقائق يكون فيها المريض في شبه غيبوبةٍ ويكون جسده أسير كلِّ الاحتمالات الخارجة عن ارادته.
و لذلك يكون التَّعرُّف الى هذه الحالة والتَّصرُّف السَّليم في حينها اساسيًّا لتفادي مضاعفاتٍ في حال حدوثها قد تكون عواقبها غير قابلةٍ للتَّصحيح. ففي حال استمرار الإختلاج الكهربائيّ فترةً تفوق الأربعة دقائق، يبدأ بعدها الدِّماغ بالتَّعرُّض لنقصٍ في الأكْسَجه و قد ينتج عنه موتٌ للخلايا ولذلك يجب إيقاف كل اختلاجٍ كهربائيٍّ قبل بلوغ هذا الفاصل الزَّمنيّ الاساسيّ.
أمّا سبب حدوث هذه العوارض فيكون نتيجة خللٍ بيولوجيٍّ جسديٍّ يتراوح بين الحميد و الخَطِر، فقد يكون السَّبب فقط هو ارتفاع مفاجئٌ في حرارة الجسم بسبب التهابٍ جرثوميٍّ بسيطٍ ولا يكون في هذه الحالة الدِّماغ عرضً لأيٍّ من المضاعفات. ولكنَّ السَّبب قد يكون ايضا نوع من التَّدمير لخلايا الدماغ، سواء بسبب انقطاع وصول الدَّم عنها، او بسبب وجود ورم ما، او بسبب تشوُّهٍ خلقيٍّ في تكوين خلايا الدِّماغ، أو بسبب وصول التهابٍ جرثوميٍّ إلى غلاف الدّماغ المعروف بالسّحايا أو إلى خلايا الدّماغ بحدّ ذاتِهِ، وفي هذه الحالة ينفرط عقد انتظام عمل خلايا الدّماغ الرَّتيب، حيث تعمل جميع خلايا الدماغ في الحالة الطبيعيَّة وفق نمطٍ كهربائيٍّ متوازٍ كصفٍّ من العسكر، يسيرون على وقع خطوةٍ واحدةٍ منتظمةٍ، فإذا ما تعثَّر أحدهم ولم يستطع الباقون تلقُّفه سقطوا جميعًا و دخلوا في حالةٍ من الفوضى و التّخبُّط، وهو ما يحدث فعليًّا في حال الإختلاج الكهربائي.
عند حدوث الإختلاج ينقطع انتظام عمل خليَّةٍ ما فتُعَثِّر عمل الخلايا المحيطة بها وتؤدِّي الى خللٍ في عمل المنطقة التي تقع فيها في الدِّماغ. و وفق وظائف المنطقة التي يحدث فيها هذا الخلل تأتي العوارض السّريريّة مطابقةً لخلل تلك الوظائف.
وقد يحدث الإختلاج الكهربائيُّ في ايِّ زمنٍ من عمر الإنسان، من الولادة وحتى منتهى الحياة. ولكل عمرٍ أسبابه الخاصَّة وعلاجاته المناسبة.
أمَّا أكثر هذه الأنواع شيوعًا فهي الإختلاجات الحميدة المرافقة لارتفاع الحرارة التي قد تحدث ما بين عمر الخمسة أشهرٍ والخمس سنوات، ولا تحتاج الى أيِّ نوعٍ من العلاجات الاساسيَّة.
أمَّا أنواع الإختلاجات التي تحدث في إطارٍ مختلفٍ فهي تستلزم إجراء الفحوصات اللّازمة لتحديد سبب الإختلاج ومعالجة السَّبب الرئيسيّ.
ولكن الإختلاجات لدى الاطفال تبقى دومًا في الاطار الحميد كون معظمها يحدث بسبب بلوغٍ غير متناسقٍ لخلايا الدّماغ، ينتهي في معظم الأحيان بانتظام نموِّ هذه الخلايا وتاليًا الشِّفاء من داء الصَّرع.
أمَّا الأمراض التي نقوم طبِّيًّا بتحديد سببٍ لها على شكل خللٍ تكوينيٍّ خُلقيًّا او مُستجدًّا في خلايا الدِّماغ، فتلك من الأمراض التي يطول علاجها، ولا تكون دومًا بنهايه مطافٍ حميدٍ.
أمَّا عند حدوث في أوَّل اختلاجٍ فليس ذلك حُكمًا تشخيصٌ لمرض الصّرع إذ ذاك يستلزم تكرار حدوث هذا الاختلاج .
و إذا ما كان الفحص السَّريريُّ سليمًا بعد أوّل اختلاجٍ قد لا يكون الطّبيب مُلزمًا بإجراء فحوصاتٍ معمَّقةٍ ويُقدِّم علاجًا آنِيًّا للمريض مع مراقبةٍ لتطوُّر حالته. اما الفحوصات المناسبة في هذه الحالة فهي اجراء صورةٍ مغناطيسيَةٍ للدِّماغ وتخطيط رأسٍ كهربائيٍّ لتحديد السَّبب الرئيسي. فتقوم الصّورة بتحديد الأسباب التَّكوينيَّة والتي تستلزم تدخّلًا بيولوجيًّا او جراحيًّا في الحالات القصوى، بينما يحدّد التّخطيط الكهربائيُّ موقع الخلايا المريضة وحجم خلل وظيفتها.
ووفق نتيجة الفحصين، يرتكز العلاج على إعطاء دواءٍ مُنَظِّمٍ لكهرباء خلايا الدماغ و ذلك بهدف الوصول الى تخطيط رأس نظيفٍ مع توقُّف حدوث الاختلاجات سريريًّا لمده سنتين متتاليتين، وحينها يستطيع الطَّبيب محاولة إيقاف العلاج كخطوةٍ أولى. و في هذه الحال تكون نسبة النجاح مقاربةً ل 70% أمَّا في حال تكرار العوارض بعد ايقاف الدَّواء فيكون المريض في فئة الثَّلاثين بالمئة من المرضى الذين يحتاجون لعلاج لمدَّةٍ تطول أكثر من سنتين.
وفي حال عدم تجاوب المريض رغم وجود صوره راس سليمةٍ فحينها وجب البحث عن سببٍ جينيٍّ وراثيٍّ وهنا يكون العلاج والتَّجاوب رهن الجينه المسؤولة عن هذا المرض.
ولكنه يجدر التَّذكير بأنَّ أنواع امراض الصّرع الخبيثة هي لحسن الحظ من القلَّة بحدِّ أنَّها تُعَدُّ من الأمراض النَّادرة ولكنَّها قد تكثُر في مناطقنا بسبب كثرة زواج القربى.
ويبقى التّشديد الاساسيّ على ان هذه الحالة المَرضيَّة لا يجب ان تكون معوِّقًا أمام متابعة نظام حياةٍ طبيعيٍّ لدى المريض المصاب بها.
فالمريض يستطيع متابعة نظام حياةٍ مشابهٍ للفترة التي سبقت حدوث الإختلاج ولكن طبعًا مع الإحتياط المناسب اي ان لا يكون في الأماكن الخطرة منفردًا في حال حدوث هذا العارض فُجائيًّا رغم تناول الدّواء، مثل الوجود في المسابح او ركوب الخيل او الدّرَّاجات. وتبقى قيادة السّيَّارة هي الحالة التي يجب تجنُّبها في حال وجود هذا المرض وقبل شفائه وذلك حفاظًا على سلامة المريض ومحيطه.